الجمعة، 2 مارس 2012

اللقاء الرابع- رأيت رام الله

رأيت رام الله
مريد البرغوثي
المركز الثقافي العربي


تاريخ النقاش:٢٧-فبراير ٢٠١٢
مديرة الحوار: ديانا إدريس


افتتاحية:
مريد البرغوثي شاعر فلسطيني ولد في 8 يوليو/تموز 1944 في قرية دير غسانة قرب رام الله في الضفة الغربية تلقى تعليمه في مدرسة رام الله الثانوية، وسافر إلى مصر العام 1963 حيث التحق بجامعة القاهرة وتخرج في قسم اللغة الإنجليزية وآدابها العام 1967 وهو العام الذي احتلت فيه إسرائيل الضفة الغربية ومنعت الفلسطينيين الذين تصادف وجودهم خارج البلاد من العودة إليها. وعن هذا الموضوع كتب مريد البرغوثي في كتابه الذائع الصيت رأيت رام الله"نجحت في الحصول على شهادة تخرّجي وفشلتُ في العثور على حائط أعلِّق عليه شهادتي". ولم يتمكن من العودة إلى مدينته رام الله إلا بعد ذلك بثلاثين عاماً من التنقل بين المنافي العربية والأوروبية، وهي التجربة التي صاغها في سيرته الروائية تلك. 
حصل كتاب "رأيت رام الله" على جائزة نجيب محفوظ للإبداع الأدبي 1997 ، كما كتب إدوارد سعيد مقدمة للطبعة الإنجليزية وقد أصبحت هذه  المقدمة جزءاً من كل طبعات الكتاب بعدة لغات. يقول إدوارد سعيد" هذا النص المحكم المشحون بغنائية مكثفة ، الذي يروي قصة العودة بعد سنوات النفي الطويلة إلى رام الله في الضفة الغربية في سبتمبر ١٩٩٦ هو واحد من أرفع أشكال كتابة التجربة الوجودية للشتات الفلسطيني".
ترجم الكتاب إلى الإنجليزية والفرنسية والأسبانية والهولندية والنرويجية والبرتغالية والأندونيسية والتركية والصينية.


ضيفتنا:
استضفنا الأستاذة إيمان الوزير، الفلسطينية من يافا، المولودة في جدة والتي كانت أسرتها ضمن الأسر التي رحلت عن فلسطين عام ٦٧، أستاذة إيمان تخصصت في التاريخ في دراستها الجامعية لأنها أقرب المواد لفهم القضية الفلسطينية ومناصرتها، درّست في مدرسة جدة الخاصة ١٧ سنة، ثم اشتغلت في صندوق الأقصى- البنك الإسلامي لدعم الأسر المنتجة في فلسطين ومحاولة توفير دخل لهم.
 كان في جعبة الأستاذة إيمان الكثير الذي تحكيه عن تجربة الغربة والشتات والهوية..للأستاذة إيمان مجموعة قصصية بعنوان "أيقونة الشتات" تحكي فيها قصصاً كثيرة لا يحكيها إلا فلسطيني تقول في مقدمتها وهي التي تشعر أن لديها وطنين(جدة ويافا): "إلى وطنين..أحدهما يسكنني والآخر أسكنه..أحبكما رغم الجراح".
 حكت لنا كثيراً من تلك الصور الإنسانية المؤلمة في أمسية تواقة : أختها التي اجهضت بها أمها أثناء سفرهم بالسفينة من فلسطين وتخيلها أنها صارت سمكة.. المقلوبة التي تركتها جدتها على النار حين اجتاحهم الغزو الإسرائيلي على أمل الرجوع..شجرة الليمون التي زرعها والدها قبل أن يخرج من بيته والحزن الذي باغته حين عاد بعد أكثر من عشرين سنة لزيارة فلسطين..ليجد أن شجرة الليمون كبرت ونمت وبيتهم قد سكن فيه يهود واستخدموا نفس الأثاث..ابن خالها الذي لم تره في حياتها والذي اتفقت على لقائه في الأردن وبحثها في كل الوجوه عن ملامح تشبه ملامحها كي تتعرف عليه..!
كثير من الحديث ومن الأسئلة ومن الشرح على خريطة فلسطين..دار بعض النقاش حول الفرق بين لم الشمل وحق العودة، بين يهود ٤٨ وباقي المسميات..من يحق لهم العودة ومن يحق لهم الزيارة؟ وحول قضايا أخرى متعلقة بالقضية الفلسطينية.
عرضت لنا أستاذة إيمان بعض المشغولات اليدوية الجميلة المنفذة بأيدي فلسطينية والتي تعد دعماً لمشاريع الأسر المنتجة..
شكراً أستاذة إيمان..كان وجودك إضافة حقيقية لأمسيتنا..

البداية:
بين الشعر والصوت والرسم كانت بدايتنا:

  • وإنها تواقة:
كانت خلفية لقائنا النشيد التالي:
 يا أيها التاريخ جئتك سائلاً...هل يا ترى بك مقصدي ومرادي.
إني أتيت وإنها تواقةٌ...نفسي إلى الأقصى وللأمجاد.
تجدونها كاملة هنا
  • الشعر بالوراثة:
 تم  عرض قصيدة الشاعر تميم البرغوثي- ابن مريد البرغرثي والتي شارك بها في: أمير الشعراء
  • حنظلة:
حنظلة أيقونة يعرفها كل العالم من رسومات الكاريكاتير الفلسطيني ناجي العلي  ،في أواخر الستينات تعرّف مريد برغوثي على الرسام الفلسطيني الراحل ناجي العلي واستمرت صداقتهما العميقة بعد ذلك حتى اغتيال العلي في لندن عام 1987، وقد كتب عن شجاعة ناجي وعن استشهاده بإسهاب في كتابه رأيت رام الله ورثاه شعراً بعد زيارة قبره قرب لندن بقصيدة أخذ عنوانها من إحدى رسومات ناجي" أكله الذئب".
الفنون(الشعر- الرواية- الرسم الكاريكاتيري) مرتبطة بالقضية الفلسطينية ارتباطاً وثيقاً، الفنون تناصر القضية وتوثق لها.
يقول ناجي العلي عن حنظلة: 

«ولد حنظلة في العاشرة في عمره وسيظل دائما في العاشرة من عمره، ففي تلك السن غادر فلسطين وحين يعود حنظلة إلى فلسطين سيكون بعد في العاشرة ثم يبدأ في الكبر، فقوانين الطبيعة لا تنطبق عليه لأنه استثناء، كما هو فقدان الوطن استثناء. واما عن سبب تكتيف يديه فيقول ناجي العلي: كتفته بعد حرب أكتوبر 1973 لأن المنطقة كانت تشهد عملية تطويع وتطبيع شاملة، وهنا كان تكتيف الطفل دلالة على رفضه المشاركة في حلول التسوية الأمريكية في المنطقة، فهو ثائر وليس مطبع.
وعندما سئل ناجي العلي عن موعد رؤية وجه حنظلة أجاب: "عندما تصبح الكرامة العربية غير مهددة. وعندما يسترد الإنسان العربي شعوره بحريته وإنسانيته"
قصيدة "أكله الذئب" مريد برغوثي- لندن 1987
وقفنا على قبره خاشعين
وما زال مِن دَمعِهِ في الفضاء نداءٌ
وما زال خيطُ الدماء على وجهه راعفا

وما زال في عينه ضجّةٌ
كاندفاع الجيوش المسائيّ في مضرب البرق والرعدِ
والوَقْدُ في روحه ما انطفا

وحدَّثَني قائلاً:
بريءٌ هو الذئب من غيلتي يا مريدُ
فذئب البراري أجَلُّ من الجُرم
والبعض أخلق أن يتعلم منه الوفاءَ إذا أَنصَفا

وذئب البراري يغير ارتجالاً
على أي صيد يلوحُ
ومن قتلوني هنا خَططوا نصف دهرٍ
لقتلي
وهم أطلقوا النار في دفتر الواجب المدرسيّ
لِطِفْليوهم أطلقوا النار في بكرج القهوة العربية
مِن كفّ سيدتي في الصباح وفي
فرحتي بالضيوف مساءً وفي حُلُم العمر
قَبْلي
وهم أطلقوا النار
في زهرة كنت أرسمها كلما طوّق الليل
ليلي
وهم أطلقوا النار في شارع في المدينةِ
لم آته هارباً مكن مصيري
ولم آتهِ سائحاً سارحاً في الفضولِ
ولم آتهِ خائفا

وقارن إذا شئتَ بين الذئاب
وبين الذين أتوني من الخلفِ
فالذئب يبدو أليفاً،
أنيقَ المخالب والروحِ
حين نقارنه بالذي أطلق النار في شارعٍ
ثم أحصى ثلاثين فِضَّتِهِ ، واختفى

بريءٌ هو الذئب من دمعةٍ فوق كُمِّ صِغاري
وإحراق ناري
وتهجيج روحي بكل المنابذِ من كل دارٍ
إلى كل دارِ
بريءٌ هو الذئب
فلتحملوا للذئاب اعتذاري
وما أكل الذئب يوسف يوماً
ولكنّ يوسف ليس الذي يحتمي بالفرارِ
وليس الذي ينتهي راجفا

وقفنا على قبره خاشعين
وما زال ينزف حزناً علينا
وينزف حزناً على شكل أيامنا القادماتِ
ويرمي على قاتليهِ التهكم والذعرَ حياً وميتاً
ويحبسهم في براويزه الهازئاتِ
ويمضي إلى موته صامتاً عارفا

وقفنا على قبره مائلينَ
وفي قبرهِ كان ناجي العلي واقفا.





الغربة واللجوء والشتات:
  • مريد في "رأيت رام الله" كتب الغربة كما لم يكتبها أحد، بكل الأشكال والتعبيرات، الغربة موت..الغربة مرض، الغربة شعر، الغربة قسوة،الغربة شبه جملة ..يقول مريد:"في ظهيرة ذلك الاثنين ، الخامس من حزيران ١٩٦٧ أصابتني الغربة"" الغربة كالموت، المرء يشعر أن الموت هو الشيء الذي يحدث للآخرين. منذ ذلك الصيف أصبحت ذلك الغريب الذي كنت أظنه دائماً سواي" " الغريب هو الذي يقول له اللطفاء من القوم: أنت هنا في وطنك الثاني وبين أهلك.هو الذي يحتقرونه لأنه غريب. أو يتعاطفون معه لأنه غريب.والثانية أقسى من الأولى." "الشعر بحد ذاته غربة" "أنا المفرد الغريب المائل للصمت والعزلة" " كان علينا أن نتحمل وضوح الغربة وعلينا اليوم أن نتحمل غموض العودة""الغربة كلها شبه جملة، الغربة شبه كل شيء"!
  • لم نستطع أن نضيف كثيراً من المعاني حول الغربة ، حتى عندما حاولنا أن نعرض تجربة المبتعثين وجدنا أن الأمر لا يتشابه: المبتعثون مغتربون باختيارهم ويعلمون أنهم عائدون، أما التجربة الفلسطينية في الاغتراب فهي شيء آخر تماماً..
  • أين نعيش؟ لأي أرض ننتمي؟ لأي بيت،، وأشجار،،؟ لأي سرير و كوب قهوة؟ لأي تفاصيل يومية ؟ عشنا مع مريد  الشتات الذي حكى عنه حين عاش في بودابست ١٧ عاماً لا يرى زوجته وابنه إلا في العطلات..حين عد عدد البيوت التي سكن فيها ووجدها ٣٠ بيتاً..حين صار يفضل سكن الفنادق حتى لا يؤثث لحياة يومية يتعلق بها..مريد وجد حلاً حين قال: "أنا لا أعيش في مكان أنا أعيش في الوقت" "أماكننا المشتهاة ليست إلا أوقاتاً."
  • الشتات والغربة من مفردات الحياة في هذه الدنيا..ماذا عن الموت إذن؟ هل تظل هذه المعاني تلاحق الفلسطينين حتى في موتهم؟ هل يود الإنسان -على الأقل في موته- أن يحظى بتراب وطن كي يؤويه وجنازة وعزاء يلتم فيها أهله وأصدقائه ليمارسون الحزن عليه؟ مريد يقول أن العواصم رفضت أن تستقبلهم أحياء وأمواتاً و يقول " منيف يتحدث من قطر معي في أمريكا عن استشهاد فهيم في بيروت ودفنه في الكويت وضرورة تبليغ ستي أم عطا في دير غسانة، وجدته لأمه في نابلس، وأمي في الأردن. ورضوى وأنا نؤكد حجزنا للعودة عبر روما إلى القاهرة"
الجسر:
  • الجسر هو الذي عبره مريد من الأردن ليصل إلى الضفة الغربية في فلسطين عبر نهر الأردن..بينت لنا أستاذة إيمان على الخريطة مكان الجسر وقالت لنا بأننا عبرته في طريقها إلى فلسطين وكيف أن جوالها أخذ يبعث لها بماسجات تنبيه حين وصلت لنهاية الجسر" أهلا بك في فلسطين".
  •  جعل مريد من تجربة عبور الجسر لحظة عشناها معه " أخيراً، ها أنا أمشي بحقيبتي الصغيرة على الجسر، الذي لا يزيد طوله عن بضعة أمتار من الخشب، وثلاثين عاماً من الغربة" حين وصل مريد كانت لحظة استعصت على التسمية: أهي لحظة سياسية؟ أم عاطفية؟ أم اجتماعية؟ لحظة واقعية؟ سيريالية ؟ لحظة جسدية؟ أم ذهنية؟
  • الجسر : معبر الأمنيات...هل هناك جسر بين ما نتمناه وما نحققه؟ أين نقف الآن؟ على الطرف الأول حيث ولادة الأمنية أم على الطرف الثاني حيث تحقيق الأمنية؟ أيهما أهم؟ الجسر والمرور أم الضفة والوصول؟ هل الضفة الأولى لدى أحدنا هي الضفة الثانية لدى غيرنا؟

أسئلة تبحث عن إجابات :
  •  هل الأم الفلسطينية مختلفة؟ تحدث مريد عن أمه التي كانت تقرأ الشعر، وتطرز،وتنجد، وتصنع المخللات ، تصون الحياة وتدبر شئونها، تسائلنا: الأم الفلسطينية..هل هي مختلفة؟ أهي مختلفة لأن كل أفراد الأسرة والعائلة مختلفين؟
  • هل سرق اللصوص رقتنا؟ تحدث الكاتب عن جلافة الفلسطنيين وعن رقة قلبهم. عن التأرجح في الحياة بين الملهاة والمأساة..تسائلنا: هل حزننا مترف أمام هكذا أحزان؟ أم أن الحزن لا يحاكم؟
  • هل تحب كل الشعوب أوطانها؟ هل تحارب كل الشعوب من أجل أوطانها؟ سألنا أستاذة إيمان: ماذا قدمت فلسطين للفلسطينيين حتى يحبوها ويناضلوا من أجلها؟ 
  • من يستطيع أن يسخر من مدينة القدس؟ الاحتلال حوّل أبناء فلسطين إلى أبناء فكرة فلسطين. حوّل المستوطنات اليهودية إلى مناطق في منتهى التطور وجعل من المناطق التي تحت الحكم الفلسطيني ريفاً لإسرائيل.حوّل القدس من مدينة عادية إلى مدينة أسطورة..تسائلنا: إلى ماذا يكون انتمائنا أقوى؟ لمدينة هي رمز؟ أم لمدينة نستطيع انتقادها؟ 
ختام اللقاء:
ختمنا لقائنا بقصيدة أحمد مطر : حرية

من أقوال التواقات:

  • قرأت الرواية للمرة الثانية..وبكيت للمرة الثانية ،،واستمتعت جداً وأنا أكتب التقرير..وأتمنى أن أقابل مريد وأسرته: تميم ابنه الشاعر، رضوى زوجته الروائية- أروى خميّس
  • اتصلت على الأسر الفلسطينية أيام حصار غزة لأشاركهم حزنهم ومأساتهم، بكيت أنا وهن كن يصبرنني- وديان بن عمران
  • زيت الزيتون قيمة تحدث عنها مريد بشجن..كيف يمكن أن نشتري شيئاً كنا نجده في البيت كل يوم، بالنسبة لي الزمزم يحمل نفس القيمة- لينا خشيم
  • لغة الكاتب كانت بديعة، لكنه أخذ ينقلنا من مكان لآخر وزمن لآخر وكأنه كان يريدنا أن نشعر بشيء من معاني الغربة- دارين إدريس
  • رغم كل الأسى في الرواية إلا أنني لم أكن أسمع صوت لوم ولا أرى أصابع اتهام- هيفاء حسنين.
  • كانت تجربة خالي في الدخول إلى فلسطين والصلاة إماماً في المسجد الأقصى تجربة أثرت في العائلة ككل- فدوى حكيم.
  • نسبة الأمية صفر في فلسطين..!!!- أماني الرشيدي
  • توفيت أمي وهي في الستين وبعد وفاتها باسبوعين زرت جريحاً فلسطينياً جاء للسعودية أيام حصار غزة قال لي: احمدي ربك ، عاشت أمك كل هالعمر..!- أروى جليدان
  • كل عائلة فلسطينية لديها مفتاح بيتها الذي خرجت منه على أمل العودة- أسميت ابنتي بيسان على اسم إحدى المدن الفلسطينية كي نعيش فلسطين كل يوم- إيمان الوزير
تشويقة:
كتابنا المقبل سيكون: الوزير المرافق
وهو من آخر الكتب التي نشرت للدكتور غازي القصيبي قبل وفاته رحمه الله ، يحكي فيها الدكتور بعيون كاتب متمرس بعض المشاهدات الممتعة لشخصيات سياسية في السبعينات والثمانينات
للتواقات: احصلوا على الكتاب من جرير..

تحياتي حتى نلتقي في أمسية ممتعة أخرى








هناك تعليق واحد:

  1. تعليق الشاعر والكاتب مريد البرغوثي في تويتر على تقرير تواقة بتاريخ 2-3-2012:
    قرأت تقريرك المؤثر سيدتي، أكرر شكري لك ولكل من ساهمن قي المناقشة” تحية لصالون تواقة :)"

    ردحذف