الجمعة، 30 مارس 2012

اللقاء الخامس-الوزير المرافق

الوزير المرافق
غازي القصيبي
المؤسسة العربية للدراسات والنشر



تاريخ النقاش: 19-مارس2012
مديرة الحوار: أروى جليدان

افتتاحية:
أن يكون كتابنا مؤلفه الدكتور غازي القصيبي رحمه الله فكان لابد أن تكون افتتاحيتنا عن سيرة الدكتور غازي الذاتية وبعض الشذرات من حياته، قامت بإعداد الإفتتاحية وتقديمها أروى خميّس وقد تلخصت في ثلاث نقاط:
١- قرأنا مقالاً للكاتب محمد الرطيان نشر في جريدةالمدينة بتاريخ 18-08-2010 بعنوان: مقال صغير جداً عن رجل طويل جداً تحدث فيه الرطيان عن الدكتور غازي القصيبي صاحب الشخصية المتعددة الأطياف الصعبة على الإحتواء والتعريف:
لو أن الحديث يدور حول رجل جميل بحجم بحيرة.. لهان الأمر..

ولكن الحديث يدور حول الرجل / البحر ..
فمَن يضمن لي عدم الغرق في منتصف الكتابة؟!
كذلك تحدث الرطيان عن قامة الدكتور غازي الأدبية الطويلة جداً والتي شكلت وعي وذائقة جيل كامل:
 أنا من جيل عشق غازي القصيبي، وبهرته شخصيته. أردت أن أقول له: إنني في طفولتي كتبت قصيدة فيك.. نعم كانت ركيكة وساذجة.. ولكنها صادقة ومحبة لك. أردت أن أقول له إن من أول الكتب التي اقتنيتها في حياتي هي كتبك.. وإنك أحد الذين هذّبوا ذائقتي، وفتحوا النوافذ في رأسي الصغير، وجعلوني أعشق صبية حسناء اسمها “الحرية”.

٢- عرضنا سيرة الدكتور غازي الذاتية : تعليمه وحياته العملية ، المناصب التي تولاها كأستاذ جامعي ووزير وسفير،أدبه ومؤلفاته،شعره وكتاباته وفيما يلي بعض مما عرضناه:
- كان الدكتور غازي من عائلة تعددت لهجاتها وانتمائتها فجدته لأمه حجازية من مكة وجدته لأبيه تركية وهو ولد في الأحساء ودرس في البحرين مما جعله يشعر بالإنتماء إلى المجتمع ككل..
-له أكثر من ستين مؤلفاً إلا أنه لم يكتب سيرته الذاتية كاملة من جميع الجوانب: حياة في الإدراة تعرض بعضاً من سيرته المهنية، له سيرة شعرية أيضاً وكتابه الوزير المرافق يعرض بعضاً من جوانب عمله وانطباعاته كوزير لذا على القارئ أن يجمع شذرات سيرته الذاتية من مؤلفاته.
-منح وسام الملك عبدالعزيز وعدداً من الأوسمة الرفيعة من دول عربية وعالمية وكان يعمل بلا استلام لمرتبه في آخر ٣٠ سنة من حياته إذ كانت مرتباته تحول لجمعية الأطفال المعاقين.
- تولى أول منصب وزاري وعمره ٣٥ عاماً بعد أن كان عضواً في لجنة السلام السعودية-اليمنية، ومن أبرز إنجازاته التي تشهد له شركة "سابك" عملاق البتروكيماويات السعودي.
- للشعر دوره في حياة القصيبي العملية وعلاقاته السياسية، فقصيدة "سيف الدولة الحمداني" دقت الوتد الأخير في علاقته الودية مع الملك فهد فأعفي من منصبه الوزاري وعين سفيراً في البحرين، وقصيدة "الشهداء" كانت سبباً في تدهور علاقاته الدبلوماسية في بريطانيا فنقل من السفارة إلى الوزارة في السعودية.
كانت هناك نزاعات واختلافات فكرية وثقافية بين غازي وبين مجموعة من الصحويين في أواسط التسعينات واللذين كان منهم ناصر العمر وسلمان العودة.

٣- قرأت أروى خميّس بعض المراسلات التي كانت بينها وبين الدكتور غازي القصيبي حول كتاب : على الأرجوحة تتناثر الأسرار -قبل صدوره وبعد، والتي أكدت فيها على دور الدكتور غازي وفكره وأدبه في تشكيل الذائقة الأدبية لدى جيل كامل.

خلف كواليس عالم السياسة:
  • القصيبي كان في كتابه يعرض انطباعاته الشخصية عن شخصيات سياسية رافقها في زمن ما..ترى لو مد الله في حياته حتى الآن وشهد التحولات السياسية التي حدثت في ٢٠١١ هل كان سينشر كتابه أو يغير بعض قناعاته أم أن قيمة الكتاب تظل توثيقية لفترة معينة من تاريخ الحكومات حتى لو تغيرت؟
  • كان غازي يعرض بعض الأشياء التي رأى أن بإمكانه نشرها في كتاب، ترى ما حجم الأشياء التي لم يقلها بحكم حساسية منصبه السياسي وإلى أي درجة كان حذراً في أسلوب خطابه ؟ وهل كان يتحدث عن حصافة وحكمة القيادة السعودية عن قناعة تامة أم مقارنة بغيرهم أم لأنه يجب عليه استخدام هذه اللغة وهذا الخطاب في كتاباته كوزير سعودي؟
  • من البراعة المزج بين الرؤية الفلسفية واللغة الأدبية والحس الفكاهي والنظرة السياسية..هل من كاتب عربي استطاع أن يجمع كل هذه العناصر مثل غازي القصيبي؟ في كتاباته عن شخصيات سياسية أظهر لنا الجانب الإنساني منها والذي يختفي دائماً خلف ستار البروتوكولات والمظهر السياسي الصارم: أنديرا غاندي كانت امرأة وأماً تكره تصرفات امرأة ولدها ككثير من الحموات، زوجة بورقيبة هي التي كانت تحكم ولا تملك بينما زوجها يملك ولا يحكم وتأثره الواضح بأعراض شيخوخته،ثاتشر التي كانت تعتقد أنها الرجل الوحيد في العالم،ضحك الملك فهد والذي حاول اخفاؤه على منظر لباس عيدي أمين.
  • البروتوكولات السياسية..من أول من اخترعها ؟ ولماذا تعامل في العالم بمثل هذه الصرامة؟ كيف لم يأخذ القذافي هذه البروتوكلات على محمل الجد ولم يكن أحد ليعترض كثيراً على سياسته الشعبية الغريبة، ولماذا لم يفهم غاندي أنه كان يكلف الدولة أكثر برغبته في التقشف والتخلي عن مظاهر الحكم؟ كيف استطاعت بريطانيا أن تحتفظ ببقايا العهد الملكي وتبقيه كإرث مقدس في برورتوكولاتها حتى هذه اللحظة؟ إلى أي حد من الصرامة يمكن تصنيف المراسم الملكية السعودية وسط الأنظمة العالمية؟ 
بين ثنايا الكتاب:
- "كنت من خلال الحديث بين ولي العهد وكارتر أتسائل : لماذا لا يدرك بعض الناس- وخاصة- رؤساء الولايات المتحدة-الحقائق إلا بعد فوات الأوان؟ " - من مسؤول عن غرور أمريكا؟ أهو تفوقها أم إحساسنا نحن بهذا التفوق؟

- "الناس أنفسهم هم اللذين يحددون سرعة التغيير ولا يمكن أن تفرض عليهم الدولة أن يتغيروا حسب هواها" - هذه المقولة لأنديرا غاندي تنم عن معرفة عميقة بطبيعة مجتمعها الهندي والتي ينبغي تطبيقها كمعيار للتغيير على جميع المجتمعات.

- "قبل أن أغادر وجدتني أنظر نظرة أخيرة إلى هذا الرجل الذي يقف أمامي شامخاً وكأنه قطعة من التاريخ، تاريخ مملوء بالسعادة والمرارة" متى سيفهم الحكام العرب أن الإنسحاب بشموخ  في الوقت المناسب أفضل من السقوط عن القمة بمنتهي الألم والمهانة؟

-" ألا يعتبر الطموح عندما يصل هذا الحد من العنف نوعاً من أنواع الجنون؟- ألا يعتبر الطموح ، عندما يصل هذا الحد من العنف أخطر أنواع الجنون؟ هذا كان انطباع الدكتور غازي عن شخصية القذافي العصية على الفهم- لعل هذا الفصل من أمتع فصول الكتاب.

من أقوال التواقات:
- أغبط الدكتور غازي على هذه المناصب التي تولاها والتي جعلته يرى ويعيش تجارب متعددة وكثيرة- هيفاء حسنين

- شعرت أن الحكام هم الأم والأب اللذين يتحكمون في مساحة بعيدة عن حياة أطفالهم اليومية ولا يعرفون تفاصيلها، بالطبع الشعوب هم الأطفال- أروى عجاج

- شعرت أنني أدخل متحفاً للشخصيات وأنا أقرأ الكتاب، أثار شجوني الدكتور غازي فقد كان صديقاً للوالد الذي رافقه فترة، هذا جعلني أتخيل أبي عبر كلماته و أسأل نفسي عند كل قراءة هل كان أبي معه في هذا الموقف؟ - لينا نصيف

- ليس من السهل تولي أي منصب وزاري في السعودية هذه الفترة، التحديات غدت كبيرة والشعب صار واع أكثر لحقوقه- إلهام العويضي

- أعترف أنني قصيبية الهوى والذائقة- أروى خميّس


- هذا الكتاب أعطاني فرصة للتعرف على قامة أدبية ورمز وفخر سعودي- أروى جليدان


ختمنا لقائنا بعرض قصيدة جميلة للدكتور غازي القصيبي باسم حديقة الغروب

لمن يريد أن يتعرف أكثر وأن يقرأ مقالات نقدية عن الدكتور غازي القصيبي بقلم مجموعة من الكتاب والأعلام الأدباء المعاصرين فعليه بكتاب- الإستثناء - وهو من إصدارات الجزيرة الثقافية.

تشويقة:
كتابنا الجديد للشهر المقبل باسم: إصلاح التعليم في السعودية بين غياب الرؤية السياسية وتوجس الثقافة الدينية وعجز الإدارة التربوية للدكتور أحمد العيسى مدير جامعة اليمامة وعضو في عدد من هيئات وجالس التعليم المحلية والدولية، ومن المتاسب أن نشير أننا قدمنا للكتاب بمقال ملفت كتبه الدكتور غازي القصيبي عن الكتاب في جريدة الوطن بتاريخ  ٢١ جولاي ٢٠٠٩ بعنوان امنعوا هذا الكتاب الخطر
يقول الدكتور غازي عن الكتاب: بلا مبالغة أعتبر هذا الكتاب الصغير أهم كتاب صدر في الشأن العام خلال العقدين الأخيرين.

للتواقات اللواتي لم يحضرن اللقاء التواصل مع تواقة للحصول على نسختهم من كتاب الشهر المقبل والحصول على نسخة موقعة بأسمائهن من كتاب ضيفتنا في اللقاء السابق الأستاذة إيمان الوزير والذي هو قصص قصيرة بعنوان" أيقونة الشتات".

قراءة ممتعة حتى نلتقي مجدداً




الاثنين، 12 مارس 2012

ماذا يحدث في عقولنا حين نقرأ..



هذا الجزء الأول فقط من برنامج انتاجBBC يتحدث عن القراءة ويحاول أن يفهم مالذي يحدث في الدماغ حين نقرأ..يمكنكم متابعة الأجزاء الستة تباعا من اليوتيوب...
..
مشاهدة ممتعة..

الجمعة، 2 مارس 2012

اللقاء الرابع- رأيت رام الله

رأيت رام الله
مريد البرغوثي
المركز الثقافي العربي


تاريخ النقاش:٢٧-فبراير ٢٠١٢
مديرة الحوار: ديانا إدريس


افتتاحية:
مريد البرغوثي شاعر فلسطيني ولد في 8 يوليو/تموز 1944 في قرية دير غسانة قرب رام الله في الضفة الغربية تلقى تعليمه في مدرسة رام الله الثانوية، وسافر إلى مصر العام 1963 حيث التحق بجامعة القاهرة وتخرج في قسم اللغة الإنجليزية وآدابها العام 1967 وهو العام الذي احتلت فيه إسرائيل الضفة الغربية ومنعت الفلسطينيين الذين تصادف وجودهم خارج البلاد من العودة إليها. وعن هذا الموضوع كتب مريد البرغوثي في كتابه الذائع الصيت رأيت رام الله"نجحت في الحصول على شهادة تخرّجي وفشلتُ في العثور على حائط أعلِّق عليه شهادتي". ولم يتمكن من العودة إلى مدينته رام الله إلا بعد ذلك بثلاثين عاماً من التنقل بين المنافي العربية والأوروبية، وهي التجربة التي صاغها في سيرته الروائية تلك. 
حصل كتاب "رأيت رام الله" على جائزة نجيب محفوظ للإبداع الأدبي 1997 ، كما كتب إدوارد سعيد مقدمة للطبعة الإنجليزية وقد أصبحت هذه  المقدمة جزءاً من كل طبعات الكتاب بعدة لغات. يقول إدوارد سعيد" هذا النص المحكم المشحون بغنائية مكثفة ، الذي يروي قصة العودة بعد سنوات النفي الطويلة إلى رام الله في الضفة الغربية في سبتمبر ١٩٩٦ هو واحد من أرفع أشكال كتابة التجربة الوجودية للشتات الفلسطيني".
ترجم الكتاب إلى الإنجليزية والفرنسية والأسبانية والهولندية والنرويجية والبرتغالية والأندونيسية والتركية والصينية.


ضيفتنا:
استضفنا الأستاذة إيمان الوزير، الفلسطينية من يافا، المولودة في جدة والتي كانت أسرتها ضمن الأسر التي رحلت عن فلسطين عام ٦٧، أستاذة إيمان تخصصت في التاريخ في دراستها الجامعية لأنها أقرب المواد لفهم القضية الفلسطينية ومناصرتها، درّست في مدرسة جدة الخاصة ١٧ سنة، ثم اشتغلت في صندوق الأقصى- البنك الإسلامي لدعم الأسر المنتجة في فلسطين ومحاولة توفير دخل لهم.
 كان في جعبة الأستاذة إيمان الكثير الذي تحكيه عن تجربة الغربة والشتات والهوية..للأستاذة إيمان مجموعة قصصية بعنوان "أيقونة الشتات" تحكي فيها قصصاً كثيرة لا يحكيها إلا فلسطيني تقول في مقدمتها وهي التي تشعر أن لديها وطنين(جدة ويافا): "إلى وطنين..أحدهما يسكنني والآخر أسكنه..أحبكما رغم الجراح".
 حكت لنا كثيراً من تلك الصور الإنسانية المؤلمة في أمسية تواقة : أختها التي اجهضت بها أمها أثناء سفرهم بالسفينة من فلسطين وتخيلها أنها صارت سمكة.. المقلوبة التي تركتها جدتها على النار حين اجتاحهم الغزو الإسرائيلي على أمل الرجوع..شجرة الليمون التي زرعها والدها قبل أن يخرج من بيته والحزن الذي باغته حين عاد بعد أكثر من عشرين سنة لزيارة فلسطين..ليجد أن شجرة الليمون كبرت ونمت وبيتهم قد سكن فيه يهود واستخدموا نفس الأثاث..ابن خالها الذي لم تره في حياتها والذي اتفقت على لقائه في الأردن وبحثها في كل الوجوه عن ملامح تشبه ملامحها كي تتعرف عليه..!
كثير من الحديث ومن الأسئلة ومن الشرح على خريطة فلسطين..دار بعض النقاش حول الفرق بين لم الشمل وحق العودة، بين يهود ٤٨ وباقي المسميات..من يحق لهم العودة ومن يحق لهم الزيارة؟ وحول قضايا أخرى متعلقة بالقضية الفلسطينية.
عرضت لنا أستاذة إيمان بعض المشغولات اليدوية الجميلة المنفذة بأيدي فلسطينية والتي تعد دعماً لمشاريع الأسر المنتجة..
شكراً أستاذة إيمان..كان وجودك إضافة حقيقية لأمسيتنا..

البداية:
بين الشعر والصوت والرسم كانت بدايتنا:

  • وإنها تواقة:
كانت خلفية لقائنا النشيد التالي:
 يا أيها التاريخ جئتك سائلاً...هل يا ترى بك مقصدي ومرادي.
إني أتيت وإنها تواقةٌ...نفسي إلى الأقصى وللأمجاد.
تجدونها كاملة هنا
  • الشعر بالوراثة:
 تم  عرض قصيدة الشاعر تميم البرغوثي- ابن مريد البرغرثي والتي شارك بها في: أمير الشعراء
  • حنظلة:
حنظلة أيقونة يعرفها كل العالم من رسومات الكاريكاتير الفلسطيني ناجي العلي  ،في أواخر الستينات تعرّف مريد برغوثي على الرسام الفلسطيني الراحل ناجي العلي واستمرت صداقتهما العميقة بعد ذلك حتى اغتيال العلي في لندن عام 1987، وقد كتب عن شجاعة ناجي وعن استشهاده بإسهاب في كتابه رأيت رام الله ورثاه شعراً بعد زيارة قبره قرب لندن بقصيدة أخذ عنوانها من إحدى رسومات ناجي" أكله الذئب".
الفنون(الشعر- الرواية- الرسم الكاريكاتيري) مرتبطة بالقضية الفلسطينية ارتباطاً وثيقاً، الفنون تناصر القضية وتوثق لها.
يقول ناجي العلي عن حنظلة: 

«ولد حنظلة في العاشرة في عمره وسيظل دائما في العاشرة من عمره، ففي تلك السن غادر فلسطين وحين يعود حنظلة إلى فلسطين سيكون بعد في العاشرة ثم يبدأ في الكبر، فقوانين الطبيعة لا تنطبق عليه لأنه استثناء، كما هو فقدان الوطن استثناء. واما عن سبب تكتيف يديه فيقول ناجي العلي: كتفته بعد حرب أكتوبر 1973 لأن المنطقة كانت تشهد عملية تطويع وتطبيع شاملة، وهنا كان تكتيف الطفل دلالة على رفضه المشاركة في حلول التسوية الأمريكية في المنطقة، فهو ثائر وليس مطبع.
وعندما سئل ناجي العلي عن موعد رؤية وجه حنظلة أجاب: "عندما تصبح الكرامة العربية غير مهددة. وعندما يسترد الإنسان العربي شعوره بحريته وإنسانيته"
قصيدة "أكله الذئب" مريد برغوثي- لندن 1987
وقفنا على قبره خاشعين
وما زال مِن دَمعِهِ في الفضاء نداءٌ
وما زال خيطُ الدماء على وجهه راعفا

وما زال في عينه ضجّةٌ
كاندفاع الجيوش المسائيّ في مضرب البرق والرعدِ
والوَقْدُ في روحه ما انطفا

وحدَّثَني قائلاً:
بريءٌ هو الذئب من غيلتي يا مريدُ
فذئب البراري أجَلُّ من الجُرم
والبعض أخلق أن يتعلم منه الوفاءَ إذا أَنصَفا

وذئب البراري يغير ارتجالاً
على أي صيد يلوحُ
ومن قتلوني هنا خَططوا نصف دهرٍ
لقتلي
وهم أطلقوا النار في دفتر الواجب المدرسيّ
لِطِفْليوهم أطلقوا النار في بكرج القهوة العربية
مِن كفّ سيدتي في الصباح وفي
فرحتي بالضيوف مساءً وفي حُلُم العمر
قَبْلي
وهم أطلقوا النار
في زهرة كنت أرسمها كلما طوّق الليل
ليلي
وهم أطلقوا النار في شارع في المدينةِ
لم آته هارباً مكن مصيري
ولم آتهِ سائحاً سارحاً في الفضولِ
ولم آتهِ خائفا

وقارن إذا شئتَ بين الذئاب
وبين الذين أتوني من الخلفِ
فالذئب يبدو أليفاً،
أنيقَ المخالب والروحِ
حين نقارنه بالذي أطلق النار في شارعٍ
ثم أحصى ثلاثين فِضَّتِهِ ، واختفى

بريءٌ هو الذئب من دمعةٍ فوق كُمِّ صِغاري
وإحراق ناري
وتهجيج روحي بكل المنابذِ من كل دارٍ
إلى كل دارِ
بريءٌ هو الذئب
فلتحملوا للذئاب اعتذاري
وما أكل الذئب يوسف يوماً
ولكنّ يوسف ليس الذي يحتمي بالفرارِ
وليس الذي ينتهي راجفا

وقفنا على قبره خاشعين
وما زال ينزف حزناً علينا
وينزف حزناً على شكل أيامنا القادماتِ
ويرمي على قاتليهِ التهكم والذعرَ حياً وميتاً
ويحبسهم في براويزه الهازئاتِ
ويمضي إلى موته صامتاً عارفا

وقفنا على قبره مائلينَ
وفي قبرهِ كان ناجي العلي واقفا.





الغربة واللجوء والشتات:
  • مريد في "رأيت رام الله" كتب الغربة كما لم يكتبها أحد، بكل الأشكال والتعبيرات، الغربة موت..الغربة مرض، الغربة شعر، الغربة قسوة،الغربة شبه جملة ..يقول مريد:"في ظهيرة ذلك الاثنين ، الخامس من حزيران ١٩٦٧ أصابتني الغربة"" الغربة كالموت، المرء يشعر أن الموت هو الشيء الذي يحدث للآخرين. منذ ذلك الصيف أصبحت ذلك الغريب الذي كنت أظنه دائماً سواي" " الغريب هو الذي يقول له اللطفاء من القوم: أنت هنا في وطنك الثاني وبين أهلك.هو الذي يحتقرونه لأنه غريب. أو يتعاطفون معه لأنه غريب.والثانية أقسى من الأولى." "الشعر بحد ذاته غربة" "أنا المفرد الغريب المائل للصمت والعزلة" " كان علينا أن نتحمل وضوح الغربة وعلينا اليوم أن نتحمل غموض العودة""الغربة كلها شبه جملة، الغربة شبه كل شيء"!
  • لم نستطع أن نضيف كثيراً من المعاني حول الغربة ، حتى عندما حاولنا أن نعرض تجربة المبتعثين وجدنا أن الأمر لا يتشابه: المبتعثون مغتربون باختيارهم ويعلمون أنهم عائدون، أما التجربة الفلسطينية في الاغتراب فهي شيء آخر تماماً..
  • أين نعيش؟ لأي أرض ننتمي؟ لأي بيت،، وأشجار،،؟ لأي سرير و كوب قهوة؟ لأي تفاصيل يومية ؟ عشنا مع مريد  الشتات الذي حكى عنه حين عاش في بودابست ١٧ عاماً لا يرى زوجته وابنه إلا في العطلات..حين عد عدد البيوت التي سكن فيها ووجدها ٣٠ بيتاً..حين صار يفضل سكن الفنادق حتى لا يؤثث لحياة يومية يتعلق بها..مريد وجد حلاً حين قال: "أنا لا أعيش في مكان أنا أعيش في الوقت" "أماكننا المشتهاة ليست إلا أوقاتاً."
  • الشتات والغربة من مفردات الحياة في هذه الدنيا..ماذا عن الموت إذن؟ هل تظل هذه المعاني تلاحق الفلسطينين حتى في موتهم؟ هل يود الإنسان -على الأقل في موته- أن يحظى بتراب وطن كي يؤويه وجنازة وعزاء يلتم فيها أهله وأصدقائه ليمارسون الحزن عليه؟ مريد يقول أن العواصم رفضت أن تستقبلهم أحياء وأمواتاً و يقول " منيف يتحدث من قطر معي في أمريكا عن استشهاد فهيم في بيروت ودفنه في الكويت وضرورة تبليغ ستي أم عطا في دير غسانة، وجدته لأمه في نابلس، وأمي في الأردن. ورضوى وأنا نؤكد حجزنا للعودة عبر روما إلى القاهرة"
الجسر:
  • الجسر هو الذي عبره مريد من الأردن ليصل إلى الضفة الغربية في فلسطين عبر نهر الأردن..بينت لنا أستاذة إيمان على الخريطة مكان الجسر وقالت لنا بأننا عبرته في طريقها إلى فلسطين وكيف أن جوالها أخذ يبعث لها بماسجات تنبيه حين وصلت لنهاية الجسر" أهلا بك في فلسطين".
  •  جعل مريد من تجربة عبور الجسر لحظة عشناها معه " أخيراً، ها أنا أمشي بحقيبتي الصغيرة على الجسر، الذي لا يزيد طوله عن بضعة أمتار من الخشب، وثلاثين عاماً من الغربة" حين وصل مريد كانت لحظة استعصت على التسمية: أهي لحظة سياسية؟ أم عاطفية؟ أم اجتماعية؟ لحظة واقعية؟ سيريالية ؟ لحظة جسدية؟ أم ذهنية؟
  • الجسر : معبر الأمنيات...هل هناك جسر بين ما نتمناه وما نحققه؟ أين نقف الآن؟ على الطرف الأول حيث ولادة الأمنية أم على الطرف الثاني حيث تحقيق الأمنية؟ أيهما أهم؟ الجسر والمرور أم الضفة والوصول؟ هل الضفة الأولى لدى أحدنا هي الضفة الثانية لدى غيرنا؟

أسئلة تبحث عن إجابات :
  •  هل الأم الفلسطينية مختلفة؟ تحدث مريد عن أمه التي كانت تقرأ الشعر، وتطرز،وتنجد، وتصنع المخللات ، تصون الحياة وتدبر شئونها، تسائلنا: الأم الفلسطينية..هل هي مختلفة؟ أهي مختلفة لأن كل أفراد الأسرة والعائلة مختلفين؟
  • هل سرق اللصوص رقتنا؟ تحدث الكاتب عن جلافة الفلسطنيين وعن رقة قلبهم. عن التأرجح في الحياة بين الملهاة والمأساة..تسائلنا: هل حزننا مترف أمام هكذا أحزان؟ أم أن الحزن لا يحاكم؟
  • هل تحب كل الشعوب أوطانها؟ هل تحارب كل الشعوب من أجل أوطانها؟ سألنا أستاذة إيمان: ماذا قدمت فلسطين للفلسطينيين حتى يحبوها ويناضلوا من أجلها؟ 
  • من يستطيع أن يسخر من مدينة القدس؟ الاحتلال حوّل أبناء فلسطين إلى أبناء فكرة فلسطين. حوّل المستوطنات اليهودية إلى مناطق في منتهى التطور وجعل من المناطق التي تحت الحكم الفلسطيني ريفاً لإسرائيل.حوّل القدس من مدينة عادية إلى مدينة أسطورة..تسائلنا: إلى ماذا يكون انتمائنا أقوى؟ لمدينة هي رمز؟ أم لمدينة نستطيع انتقادها؟ 
ختام اللقاء:
ختمنا لقائنا بقصيدة أحمد مطر : حرية

من أقوال التواقات:

  • قرأت الرواية للمرة الثانية..وبكيت للمرة الثانية ،،واستمتعت جداً وأنا أكتب التقرير..وأتمنى أن أقابل مريد وأسرته: تميم ابنه الشاعر، رضوى زوجته الروائية- أروى خميّس
  • اتصلت على الأسر الفلسطينية أيام حصار غزة لأشاركهم حزنهم ومأساتهم، بكيت أنا وهن كن يصبرنني- وديان بن عمران
  • زيت الزيتون قيمة تحدث عنها مريد بشجن..كيف يمكن أن نشتري شيئاً كنا نجده في البيت كل يوم، بالنسبة لي الزمزم يحمل نفس القيمة- لينا خشيم
  • لغة الكاتب كانت بديعة، لكنه أخذ ينقلنا من مكان لآخر وزمن لآخر وكأنه كان يريدنا أن نشعر بشيء من معاني الغربة- دارين إدريس
  • رغم كل الأسى في الرواية إلا أنني لم أكن أسمع صوت لوم ولا أرى أصابع اتهام- هيفاء حسنين.
  • كانت تجربة خالي في الدخول إلى فلسطين والصلاة إماماً في المسجد الأقصى تجربة أثرت في العائلة ككل- فدوى حكيم.
  • نسبة الأمية صفر في فلسطين..!!!- أماني الرشيدي
  • توفيت أمي وهي في الستين وبعد وفاتها باسبوعين زرت جريحاً فلسطينياً جاء للسعودية أيام حصار غزة قال لي: احمدي ربك ، عاشت أمك كل هالعمر..!- أروى جليدان
  • كل عائلة فلسطينية لديها مفتاح بيتها الذي خرجت منه على أمل العودة- أسميت ابنتي بيسان على اسم إحدى المدن الفلسطينية كي نعيش فلسطين كل يوم- إيمان الوزير
تشويقة:
كتابنا المقبل سيكون: الوزير المرافق
وهو من آخر الكتب التي نشرت للدكتور غازي القصيبي قبل وفاته رحمه الله ، يحكي فيها الدكتور بعيون كاتب متمرس بعض المشاهدات الممتعة لشخصيات سياسية في السبعينات والثمانينات
للتواقات: احصلوا على الكتاب من جرير..

تحياتي حتى نلتقي في أمسية ممتعة أخرى