الاثنين، 24 نوفمبر 2014

اللقاء الثاني -لنفتح الأبواب- القندس

القندس
محمد حسن علوان
دار الساقي 


تاريخ اللقاء: 17 نوفمبر 2014
مديرة الحوار: د۔فوزية باشطح
افتتاحية:
عرضت لنا د۔ فوزية جدول الأمسية وأخبرتنا منذ البداية أن جزءاً من الوقت سيكون لعرض بعض المعلومات التي قد تبدو أكاديمية عن سيسيولوجيا الرواية ، شكل لنا ذلك إضافة في تواقة ومدخلاً ممتازاً لموسم الروايات.
أما بالنسبة لجدول الأمسية فقد كان كالتالي:
·        من هو محمد حسن علوان
·        كيف رآه بعض المفكرين
·        ما يقوله عن نفسه
·        فلسفته في الكتابة
·        مدخل نظري عن سوسيولوجيا الأدب
·        كيف يرى علوان رواية القندس
·        كيف تلقى القراء رواية القندس
·        كيف قرأت كل من التواقات رواية القندس ؟
·        سؤال لازم أيا من التواقات أثناء قراءة رواية القندس ؟
·        لو كان معنا محمد حسن علوان ما هو السؤال الذي يمكن أن نطرحه عليه ؟ أو لو كان معنى على ماذا نريده أن يحدثنا ؟

من هو محمد حسن علوان ؟

محمد حسن علوان، روائي وشاعر وقاص وكاتب صحفي سعودي. من جنوب المملكة ، ولد في الرياض، المملكة العربية السعودية، في 27 أغسطس 1979م. افتتح موقعه الإلكتروني الأدبي في العام 1999. صدرت روايته الأولى، سقف الكفاية، عن دار الفارابي، بيروت، عام 2002، وأثارت جدلاً محلياً عند صدورها لصغر سنه، ولحساسية محتوى الرواية، واختلافها على مستوى اللغة، وتناولها الكثير من كبار الأدباء والنقاد السعوديين بالنقد مثل: د.غازي القصيبي، ود.عبد الله الغذامي، ود.معجب الزهراني، والناقد محمد العباس وغيرهم . ويكتب حالياً مقالةً أسبوعية في جريدة الوطن السعودية تتناول موضوعات ثقافية، وسوسيولوجية، ومعرفية عامة.
عام 2010، تم اختياره ضمن أفضل 39 كاتباً عربياً تحت سن الأربعين من قبل مهرجان هاي فيستيفال العالمي في دورة بيروت39.
درس جميع مراحله الدراسية الأولى في معهد العاصمة النموذجي بالرياض، ثم التحق بجامعة الملك سعود في الرياض ليحصل على بكالوريوس نظم المعلومات عام 2002، عمل بعد ذلك في مجموعة سامبا المالية بالرياض لمدة سنتين قبل أن يترك العمل، ويلتحق بـجامعة بورتلند، بولاية أوريغون الأمريكية، ويحصل على درجة الماجستير في إدارة الأعمال عام 2008.
أعمال منشورة
- سقف الكفاية، رواية، دار الفارابي، الطبعة الأولى 2002، الثانية 2004، دار الساقي، الثالثة 2008، الرابعة 2009
- رواية صوفيا، رواية، دار الســاقي، الطبعة الأولى 2004، الثانية 2007، الثالثة 2008
- طوق الطهارة، رواية، دار الســاقي، الطبعة الأولى 2007، الثانية 2007

أضافت د. فوزية: لفت نظري أن محمد حسن علوان من جنوب المملكة ، فإن كنا نفترض أن كثيراً من الكتاب السعوديين جميلي اللغة من جنوب المملكة قد تأثروا بالأجواء والبيئة ، ماذا إذن عن محمد حسن علوان الذي تربى في الرياض؟ هل"موهبة الكتابة" جين يتم توارثه؟

قالوا عنه :

- يولد اليوم روائي موهوب اسمه محمد حسن علوان، تذكروا هذا الاسم، قبل أن يفرض نفسه عليكم فرضاً" – د.غازي القصيبي،
- في سقف الكفاية يحضر قيس وليلاه في صورة حديثة ومبتكرة، ولو قُدِّر لقيس أن يكتب نصاً نثرياً لليلى لاستعان بمحمد حسن علوان ليكتب له هذا النص، لقد كتب قيس عن حبيبته شعراً وكتب علوان عنها نثراً، وهو نص يتفوق على ذاته في جلب المتعة للقارئ، وذلك لأنه قد امتلك زمام اللغة وسبر أسرارها وغاص في قيمها التعبيرية، وهذا دليل على اكتشافه للعبة اللغة ولعبه معها إلى أقصى مدى" د.عبد الله الغذامي 
- "كنت أقرأ وفي يدي قلم رصاص أعلم به الصفحات التي تتضمن عبارات أو فقرات متميزة من حيث جماليات الأسلوب وعمق الفكرة وبعد الرؤية واتساع آفاقها، وهكذا ما إن فرغت من القراءة حتى وجدت معظم الصفحات موسومة بآثار دهشتي التي تجاوزت كل توقعاتي" د.معجب الزهراني
- "إن القارئ غير المتعجل سيكتشف بأنه وقع فجأة تحت سطوة صانع كلمات ماهر. ولعلّه من الكتاب العرب النادرين الذين استخدموا أسلوب التشييئ، أي إسباغ الشحنة الوجدانية والانفعال العاطفي على الموجودات" حسين الموزاني،(صوفيا)

ما يقوله علوان عن نفسه ....
كنتُ أكتب الشعر قبل ذلك ولم أفكر في الرواية، ولا أعرف تحديداً ذلك المنعطف الذي اتخذته نحو كتابة الرواية. ربما كان ازدياد معدل قراءتي للرواية مقابل الشعر، وربما تحديداً قراءتي لبعض الروائيين الذين أتوا إلي الرواية بعد شعر، فحضرت اللغة في رواياتهم كمكوّن أساسي. وفي جميع الأحوال، رأيت في الرواية فسحة أكبر لتفكيك الأفكار المتداخلة في مساحة واسعة بعكس الشعر الذي يأتي كنفحة كثيفة من المشاعر لا يمكن ولا يستحب أحياناً تفكيكها وتأويلها.
في الشعر، غالباً ما تكون الفكرة ملحّة إلى حد يصبح التأجيل عملية مؤلمة للذهن ، وعندما تجفُّ الحالة الشعرية وتسقط يصبح من المستحيل إنعاشها وحقنها بالأخضر وإعادتها إلى الشجرة مرة أخرى، ربما لهذا السبب أصبح الشعر أكثر ندرة في كتابتي ، يوجد شيء في إلحاحه ومزاجيته يتعارض مع نزوعي المتزايد للانضباط والهدوء ، أتمنى أن نجد حلاً وسطاً، أنا وهو، قبل أن نفترق.
أحترم تجربة أحلام مستغانمي جداً، وأعتبر نفسي أشبهها ، وتشابهي معها ربما يشير إلى أننا ننتمي إلى نفس المدرسة. المدرسة التي تنظر إلى اللغة على أنها أبعد من مجرد أداة ، بل جزء رئيس من تكوين النص، ومحرك فني أساسي، وخطاب فكري لغوي له أبعاده الخاصة.
لا أشجع أحد أبداً على قراءة أعمالي ، لأني غير قادر على تحمل مسؤولية ملله، ولا أستطيع تعويضه بما يكفي عن وقته الضائع .
ليس لي قدوة ، ولكني أقتطع أجزءاً من شخصيات الآخرين، وأحاول أن أصنع لنفسي قدوة تناسبني.
علوان وكونديرا....
يتفق علوان مع كونديرا بأن هناك أسئلة تساهم في رسم وجودنا
يقول ميلان كونديرا (وحدها الأسئلة الساذجة هي الأسئلة الهامة التي تبقى دون جواب، وهي التي تشير إلى حدود الإمكانات الإنسانية التي ترسم وجودنا)
صرّح علوان في أحد حواراته بأنه اكتشفت مؤخرا بأن هناك سؤال ساذج أسهم في رسم وجوده ؟
وهو : ماذا أحتاج؟ ووجه سذاجته ليس في السؤال نفسه بل في محاولة الإجابة عليه ، لو كانت احتياجاتنا يمكن رصدها في نقاط مثل قائمة المشتريات لكانت نقاطاً لا تنتهي ، ولكنها كائنات متحولة.. كلما قبضت عليها تحولت إلى شكل آخر وأفلتت من يدك ، لذلك لا أهتم بالقبض عليها، وهو ما يرادف الإجابة عن أسئلتها، وأكتفي بأن أعرفها فقط ، أي أطرح كل يوم سؤالاً يذكرني أنني بشرٌ يحتاج، وما دمت أحتاج.. فهذا يبرر التعب ويجعله قدراً محتملاً. لذلك فالكتابة عندي حاجة ذاتية وطريقة تواصل أكثر من كونها حرفة مرهونة باحتمالات النجاح والفشل ، فهي ترضي حاجاتي وتصلني بالآخر..


فلسفته في الكتابة ....

*لا أستطيع أن أجيب على أسئلة عن الرواية من نوع (لماذا حدث هذا.. ولم يحدث كذا) ، لأن هذه الأسئلة تشبه من يسأل الأم عن ملامح ابنها وكأن الأمر كان باختيارها، أحداث الرواية تتخلّق تحت ظروف كتابية لانهائية، ووقتها ينساق الكاتب وراء الحدث الذي يعتقد أنه لا يستطيع تفاديه.. الحدث الذي يفرض نفسه فرضاً حسب قانون النص، وحسب مدى انفعال الكاتب لهذه القانون، ثمة أحداث تصرّ أن تحدث، ولا يملك الكاتب إلا أن ينصاع لها إذا أراد أن يبقى مقتنعاً بعمله ، ومن الطبيعي جداً والمتوقع أن تتعارض هذه الأحداث مع توقعات القارئ وانسيابية استقباله للنص، بقدر ما هو طبيعي ومتوقع أيضاً أن يقبلها ويحتفي بها في "مستقبِلاته" القرائية
*أدرك أن الذائقة القرائية تختلف من قارئ لآخر ، وذلك لعواملٌ لانهائية تسهم في تشكيل هذه الذائقة (ليست فنية بالضرورة) .
كما أتفهم جداً أن بعض القراء، استناداً على مرجعية ثقافية واجتماعية معينة، لا يميلون لقراءة ما يتعارض مع هذه المرجعية ، ويفترضون أن الكتابة يجب أن تلتزم بمعايير هذه المرجعية وإلا تناقصت قيمتها فنياً وأخلاقياً ، حيث لكل قارئ حدود ومعايير ونظام أخلاقي، وقدرة متباينة على الخروج من مرجعيته والانخراط في بيئة الرواية .
وأتفهم أيضاً أن بعض القراء، استناداً على رؤية فنية ونقدية معينة ، لا يميلون إلى الكتابة المسهبة مثلما أن بعضهم لا يميل إلى الكتابة المختزلة.
لكنني لا أستطيع ككاتب أن أهندس كتابتي بحيث تصبح على مقاس المرجعية الثقافية والاجتماعية والدينية والفنية والنقدية لكل قارئ ، وإذا فعلتُ ذلك، فتلك كتابة تسويقية موجّهة تستهدف بقعة الرضا في نفوس القراء، وليست أدباً/فناً ينبثق بتلقائية من الحياة مثل النبع. تجسيد المجتمع كما هو أو تشكيل المجتمع كما نريد، ليسا من وظائف الرواية.
*الرواية هي محاولة لمساءلة حالات حياتية ما بشكل سافر وعفوي ، وطرح الأسئلة الكبيرة من الزوايا التي لم تطرح من قبل ، أو الأسئلة الصغيرة التي لم تطرح قط بأي زاوية كانت.
*الكتابة حقٌ إنساني مثل الأكل والمعتقد ، وبالتأكيد أن هناك من لا تعجبنا كتابتهم، مثلما أنه لا يعجبنا طعامهم ولا نتفق مع معتقداتهم ، لماذا نبالغ في الحنق إذن من رواية لا تعجبنا؟ بغض النظر عن الأسباب التي جعلتها لا تعجبنا (فنية أو فكرية)، البعض يعتقد أن الرواية التي لا تعجبه قد أهانته بشكل شخصي! ولابد بالتالي أن ينتقم منها بتعليق لاذع جداً، ويمعن في إهانة كاتبها/كاتبتها حتى لا يجرؤوا مرة أخرى على كتابة رواية لا تعجبه ، علينا أن نتمعن نقدياً في (سلوك التلقي) مثلما تمعّنا نقدياً في (سلوك الكتابة).
بعد أن تعرفنا على ما سبق شعرنا أن جزءاً كثيراً من أسئلتنا تم الإجابة عليها حول الكاتب ورؤيته الفكرية والأدبية، حول كتاباته وقناعاته ، تناقشت التواقات حول أسلوب الكاتب ، أجمع الأغلبية بأن لغة الكاتب وما تحمله من شحنات شعورية وتصويره البديع لشخصية البطل المعقدة كانت أكثر شيء ملفت في الرواية، الرواية سلسة والتشبيهات والصور فيها مبتكرة وعميقة وتأخذك إلى مستويات لغوية بديعة، رغم ذلك قال البعض أن "الزخرفة اللغوية" كان مبالغ فيها وكأن علوان هو النسخة الذكورية لأحلام مستغانمي.
كثير من أسئلة التواقات ونقاشهم دار حول البطل:

-البطل كان ضحية مجتمعه، كنت أشعر بمشاعر الشفقة أكثر كلما توغلت في القراءة أكثر.(رولا بادكوك)
- لم أشعر بالشفقة بل شعرت بالقرف من ممارسات البطل وحياته وفكره السوداوي.تمنيت لو أمزج ألوانه وأعيد غسله مرة أخرى (لينة نصيف)
- البطل كان جريئاً لأخذ قراراًته في كل ما فعله ، الفرق فقط أن قراراته كانت كسراً لقوالب الحياة المقبولة في المجتمع ، وعكساً لمعاييرها.(أماني الرشيدي)
- كم هي معقدة العلاقات الإنسانية، كم هو ضعيف الإنسان،،!! لم أكن أستغرب من الممارسات أو من أحداث الرواية كنت فقط أقول: كم غادة لدينا وكم غالب، ليس معنى أننا لا نعلم عنهم أنهم غير موجودين.(ريم مغربي)
- البطل كان يرى نفسه في وجوه الناس، يتعرف على نفسه من خلال ردود أفعالهم تجاهه، وهذا ما كان يرصده بدقة حين كان يحكي عن نفسه،  كان غير قادر على قراءة نفسه بذاته أو مصادقة نفسه، ولعل فكرة المرآة الصغيرة التي قسراً ينظر إلى نفسه فيها في بداية الرواية خير دليل على هذا الكلام (نوف الفضل)
- لأول مرة أقرأ رواية سعودية المضطهد فيها رجل وليس امرأة، كنت متعجبة من نغمة الكاتب في مجتمع ذكوري استغلته غادة وأمه لم تكن تحبه وأخته لا تثق به، لفت نظري كذلك غلاف الرواية كل ملامح الرجل المتداخلة والغير متوازنة كانت ملامح غالب كما صورتها الرواية تماما (أبرار عبدالرحمن)
- العلاقات الإجتماعية أكثر بساطة ووضوحاً في الروايات الأجنبية منها في الروايات العربية، تعجبت من مدى التشابك والتعقد في علاقات شخصيات الرواية، ربما لأن المجتمع الغربي أكثر وضوحاً وانفتاحاً ومجتمعاتنا العربية أكثر محافظة (دانية نصيف)
- إن كنت منزعجاً وأنت تقرأ الرواية لتصادمها مع قناعات كثيرة لديك. هل تكملها؟ هل نقرأ ونحن مستفَزين؟ لماذا نقرأ الروايات؟ (داليا تونسي)
وحتى نجيب على سؤالنا: هل الرواية تؤثر في المجتمع أم أنها انعكاس لما يحدث في المجتمع؟ هل هي ترصد ما يحدث فعلياً أم أنها تكشف ماهو غير ظاهر..؟ عرضت لنا الدكتورة فوزية فقرة عن سيسيولوجيا الأدب..

مدخل نظري عن سوسيولوجيا الأدب ....

اللغة هي المرحلة التطورية للوعي والأفكار والسلوك الإنساني، فمن خلال اللغة والتفاعل معها يكتسب الإنسان اجتماعيته، فاللغة تمكن الإنسان من إضفاء المعاني والدلالات على الأشياء والأحداث و الناس في محيط بيئته، وهذا ما أكد عليه رواد المدرسة التفاعلية الرمزية ( هربرت ميد) .
حين يتعلم الإنسان القراءة ، يصبح معرضاً لرموز ثقافية في محتوى ما يقرأ ويتعلم، حيث تشكل اللغة الواقع والخيال معا، وهنا لا يمكن إغفال انتقال الوعي الإنساني من المرحلة الشفهية إلى الوعي الكتابي، إذ يعد نقلة كبيرة في تاريخ الإنسانية، مما ساهم في الحفاظ على ذاكرة المجتمعات الإنسانية وتاريخها .
هناك علاقة تفاعلية بين الأدب والمجتمع حيث يؤثر أحدهم في الآخر، فالعلاقة بين الأدب والمجتمع حتمية ، وهناك العديد من الشواهد والأدلة التاريخية التي مفادها أن ما ينتج من نثر أو شعر أو رواية ما هو إلا منتج اجتماعي ، فالإنتاج الأدبي وإن كان يتم بدوافع فردية من فرد يمثل صانع أو مبدع العمل الأدبي، إلا انه يحتاج إلى جماهير لاستقبال وتذوق ما أنتج ، والجمهور هم القاعدة العريضة من المجتمع سواء كانوا نخب أو عامة الشعب، حيث يشكل المجتمع بأطيافه المختلفة الوعي الجمعي الذي سيعيد قراءة وتفسير المنتج الأدبي من خلال وعي الأفراد ورؤيتهم وقيمهم ، وفي نفس الوقت يؤثر العمل الأدبي بما يحمل من مضامين على الوعي الجمعي في حال تركيزه على بث أفكار معينة أو إيديولوجيا ما.
تناول أبن خلدون في مقدمته، التفاوت في العلاقة بين سلطة السيف وسلطة القلم مشيراً إلى أن السيف والقلم " كلاهما آلة لصاحب الدولة يستعين بهما على أمره" في بداية الحكم لتوطيد إرجاءه، ومن ثم تعود السيوف إلى أغمادها وينطلق دور القلم وحملته "فيكون أرباب الأقلام في هذه الحاجة أوسع جاهاً، وأعلى رتبة، وأعظم نعمة وثروة، وأقرب من السلطان مجلساً، وأكثر إليه تردداً وفي خلواته نجياً". قدم صبري حافظ (1996) في كتابه أفق النقد الخطابي تعليقا على ما ذكر ابن خلدون في مقدمته عن علاقة السيف والقلم " إن ابن خلدون يربط بين مكانة الأدب والكتابة ودورهما، وبين مراحل تطور المجتمع، بصورة تبدو العلاقة بين الأدب والمجتمع وظيفية، أكثر من كونها علاقة تناظر وانعكاس.
ونعود هنا إلى ما تم تقديمه سابقاً في أن الأدب لا يحمل بُعد واحد وتفسير فردي، فهو لا يعد أيضا أداة تعكس واقع المجتمعات الإنسانية فقط ، بل يتجاوز ذلك إلى فرض التوازن والاستقرار والضبط الاجتماعي في تلك المجتمعات .
المنظور البنيوي التكويني في قراءة الرواية ......
كان كتاب مدام دي ستال Madame de Staël " الأدب وعلاقته بالمؤسسات الاجتماعية" والذي نشر عام 1800 م في فرنسا، المحاولة الجادة لدراسة وفهم الأدب وعلاقته بالمؤسسات الاجتماعية، على اثر مقارنة أقامتها بين رواد الصالونات الأدبية في فرنسا والمانيا وما يطرح من مواضيع وطرق مناقشتها وفهمها متناولة الفارق الارستقراطي للصالونات الأدبية الفرنسية المحبة للحوار وبين الشخصية الألمانية التي تتميز بالعقلانية، وان كانت محاولة مدام دي ستال ينقصها البعد الإمبيريقي إلا إنها كانت تحمل في ثناياها تفسيرات هامة عن دور الأدب في حياة الشعوب ( الأوروبية) وبالرغم من رومانسية تجربتها ومثاليتها إلا أنها استطاعت أن تقدم رؤية مفادها أن الأدب ينبغي أن يعبر عن روح العصر ويصور التغير الذي يطرأ على النظام الاجتماعي .
أي أن المحور الرئيسي الذي ينطلق منه علم اجتماع الأدب من المنظور البنيوي التكويني، هو دراسة ما تعكسه الأعمال الأدبية لواقع الحياة اليومية بتفاصيلها. فالعلاقة تقوم بين السوسيولوجيا وبين محتوى الأعمال الفنية ومحتوى الحياة الاجتماعية، بأن يتحول ما هو خيالي إلى استنساخ لمجريات الواقع، وهو ما تؤكد عليه نظرية الانعكاس .
(غولدمان) من أشهر رواد المدرسة البنيوية ، يؤكد في معرض طروحاته على أن هذا المنهج يعتمد على فصل وحدة العمل الأدبي لوحدتين، وحدة تختص بالبحث الامبيريقي الذي سيتم تطبيقه ويدور حول الوقائع الاجتماعية وما يتعلق بتماهي الخيال مع الحياة اليومية بإسقاطاته المختلفة، أما الوحدة التي تختص بشكل العمل الأدبي وجمالياته يتم تجاهلها من قبل الباحث في مجال علم اجتماع الأدب، فما يعنيه في العمل الأدبي الجانب الوثائقي لا النواحي الأدبية والجمالية، التي لن يكون لها القدرة على منح البحث مقاربة فعلية لما نبحث عنه، يتم ذلك وفق
أسس منهجية لا تميز بين الأدب الجيد والأدب الردئ، إنما يقتصر اهتمام الباحث على الأعمال الأدبية التي تعيد انتاج الواقع سواء كانت أعمال هزيلة أو جيدة
ويؤكد آخرون إلى أن البنيوية التكوينية تبحث في أربع بنيات للنص، البنية الداخلية للنص والتي غالباً ما ترتبط برؤية مؤلف العمل الأدبي وجماليات الكتابة و الأداء وهذه البنية يتم تحييدها
واستثناءها في البحث السوسيولوجي للأدب، أما البنية الثانية تتلخص في النواحي الثقافية والأيديولوجية، والبنية الثالثة تمثل البنية الاجتماعية ، وأخيراً البنية التاريخية .
وتعتبر البنى الثلاث الأخيرة محور البحث المنهجي لدراسة الأعمال الأدبية من منظور سوسيولوجي.
منظور مدرسة فرانكفورت في قراءة الرواية....
تأتي رؤية رواد مدرسة فرانكفورت مغايرة ومختلفة بشكل كبير في الفكر والبنية الفلسفية فيما يختص بسوسيولوجيا الأدب، لما هو سائد في الاتجاه البنيوي التكويني. يعتبر كلاً من (لوفينثال) )أدورنو) من رواد مدرسة فرانكفورت في مجال سوسيولوجيا الأدب، حيث تدور تصورات هذه المدرسة من منطلق أن الظاهرة الأدبية ظاهرة معرفية، لا ينبغي أن تؤدلج أو تخضع لأي أيديولوجيا في إنتاجها وتلقيها كما هو الحال لدى الاتجاه البنيوي التوليدي والاتجاه الماركسي في قراءة الأدب.
يرى (لوفينثال) أن الفنون في أوروبا ما زالت تفسر وتفهم بشكل نمطي مؤدلج، مما يعريها من وظيفتها المعرفية والعقلية،حيث تفهم وتفسر بشروط وظروف تاريخية أيديولوجية .
يقدم (أدورنو) في أعماله المفاهيم الأساسية التي ينبغي أن يعتمد عليها الباحث في مجال النقد الأدبي الاجتماعي أو في مجال سوسيولوجيا الرواية، موضحاً أن عظمة العمل الفني تظهر في الوقت الذي يتم تجاوز الايدولوجيا، وأن يكرس الباحث أدواته المعرفية في الكشف عن ما أخفته هذه الايديولوجيا ، حيث تجاوزت حدودها وساهمت في تشكيل وعي زائف على مدى
سنوات طويلة فالأدب من وجهة نظر (أدورنو) ليس ايديولوجيا و إنما حياة معرفية تحمل الكثير من التفاصيل والمواضيع التي يمكن أن تضيف للباحث والقارئ.
تمركزت أراء كلاً من (أدورنو ولوفينثال) حول القيمة المعرفية التي تقدمها الفنون مستبعدين التفسيرات الايديولوجية ، ويرى (لوفينثال) ان الأدب مصدر أساسي وموثوق في التحليل
الاجتماعي، حيث يمكن استحضار عملية التنشئة الاجتماعية، وأكثر اللحظات والعلاقات والمواقف الحميمية والخاصة، ويتم تشكيل وعي الأفراد من خلال فنانين وأدباء العصر الذي يولدوا وينشئوا فيه، وتعمل آلية تشكيل الوعي بما يقدم من إنتاج أدبي وفني بشكل متغير ومتقدم،
أي ليست ثابتة، بل أن الأديب والفنان لهم القدرة على إزالة عناصر الوعي الزائف التي تم استدماجها في وعي الأفراد من خلال الإنتاج الأدبي والفني، فالفنون بصفة عامة تقدم وظيفة تربوية وإرشادية للمجتمع، وظيفة متعددة الملامح بما تحمل من معاني وقيم.
إن وظيفة علم اجتماع الأدب بالشكل الصحيح، هي القدرة على تفسير ما تم إزالته وإخفاءه من عيوب اجتماعية والتي تعتبر أساسية لفهم المجتمع .
فالدور الجوهري لسوسيولوجيا الأدب عند (لوفينثال) ينصب على تحليل المناخ الاجتماعي لما هو خاص وحميمي، والكشف عن المحددات الاجتماعية المتعلقة بظواهر كالحب، والصداقة، والعلاقة مع الطبيعة، وصورة الذات .
يرفض (لوفينثال) كل المحاولات والأطر النظرية التي تنظر إلى الأدب على أنه أداة لاستخراج بيانات ووقائع عن المؤسسات و أنظمة الحكم، ويحذر علماء الاجتماع والباحثين والمؤرخين الاجتماعيين من اعتبار الأدب مواد خام Raw Material.

ماذا يقول علوان عن القندس ....
روايتك «القندس» أثارت الجدل وخاصة بعد وصولها للقائمة القصيرة لجائزة البوكر هذا العام.. ما الرسالة التي تقدمها الرواية؟
- لا أؤمن بأن الرواية يجب أن تكون حاملة رسائل. الرواية في أول المطاف وآخره عملٌ فنيّ لا يجب أن يلتفت إلا لشروط الفن وملاحقة الذائقة الرفيعة ودهشة الحلم والأفكار والإمتاع. غير أن رأيي هذا لا ينقص قدر آراء أخري لكتاب آخرين يرون في الرواية أداة للتغير والتنظير والتوجيه وغير ذلك. وعن روايتي (القندس) تحديداً، لا يوجد رسالة.. ولكن محاولة لتسليط الضوء علي حالات اجتماعية بزوايا فنية معينة، ومتي ما تحققت المتعة لدي قارئها فإن رسالتي من الرواية تكون قد تحققت تماماً.

هناك من يري أن سبب شهرة الرواية تعريتها للمجتمع السعودي وكشف المسكوت عنه .. ما رأيك؟
- رواية (القندس) ليست بتلك الشهرة التي تحدثت عنها في سؤالك، وأرقام توزيعها وحضورها في المشهد الأدبي متسقة مع معدلات الروايات التي سبقتها. أما عن تعرية المجتمع وكشف المسكوت وغيره فذلك شأن أعتقد أن الزمن بدأ يتجاوزه.. فلم تعد الرواية هي النافذة الوحيدة التي يُكشف من خلالها المسكوت في ظل ثورة المعلومات. الروايات التي تسعي للإثارة السريعة لها تصنيف مستقل بدأ وعي القارئ يضعها فيه، فيتجه إليها أنصارها دون أن يخلطوا بين الأصناف الأخري. وعن رواية (القندس) فليس من محتواها ما يمكن أن يعده قارئ مطلع علي المشهد الروائي العربي مسكوتاً عنه، إنها -كما ذكرت- محاولة لتناول حالات اجتماعية موجودة في كل مدينة..

ماذا عن إشكالية الرجل المبدع مع امرأة الجزيرة العربية المتمسكة بعاداتها وتقاليدها المحافظة برأيك؟
- المبدع والمبدعة أنفسهما قد يكونونان محافظين أو غير محافظين. أيضاً، المحافظة في السعودية ليست شأناً جذرياً يختص بالمرأة دون الرجل، إنها ثقافة مجتمع تشكلت وفق ظروفه الثقافية والحضارية والاجتماعية، وهي ثقافة لها ما لها وعليها ما عليها. إذا لا وجود هناك لإشكالية بهذا الشكل المحدد الذي طرحته في سؤالك، ولكن لدي المبدع دائماً إشكاليات مع مجتمعه لأن أغلب ما يدفعه نحو الإبداع هو حالة الأزمة الشعورية التي تحتاج إلي إشكال يقدحها. المحافظة في السعودية مثل غيرها من المجتمعات العربية هي نمط ثقافي له أنصاره وخصومه، والمبدع -سواءً كان من الأنصار أو الخصوم- سيكون له بالتأكيد ما يقوله بهذا الشأن من خلال إبداعه.

هل أنت موجود برواياتك بشكل ما؟
- موجودٌ فيها روحا ورؤية وحزناً، ولست موجوداً فيها حقيقة وواقعاً وسيرة. أنا من الذين يرون فارقاً كبيراً بين الرواية والسيرة الذاتية رغم تشابههما في الشكل، ولا أعتزم كتابة سيرة ذاتية في هذه المرحلة ما دام ليس لدي ما يقال.

استمر النقاش في تواقة حول عدة نقاط:
- لأي مدى هناك تجاوزات أخلاقية في الرواية من حيث الشرب وممارسة العلاقات، ألا يجعلنا ذلك نخاف على الجيل الجديد، عاد موضوع الحديث عن الرقابة وهل يمكن أن نقرأ بمعزل عن "الحلال والحرام" - هل تشكل الروايات صدمة مجتمعية أحياناً؟ هي تقدم لنا طريقة مختلفة لفهم المجتمعات التي تعيش حولنا ولا تشبهنا؟ لماذا لا نخاف من التلفزيون والإنترنت كما نخاف من الكتب ونعدها هاجساً رغم أن الجيل الجديد مرتبط بعالم الإنترنت المفتوح أكثر. ؟
- غالب وغادة، لماذا استمرت العلاقة بينهما كل هذا العمر الطويل وهي علاقة متذبذبة لم تكن بالقوة الكافية؟ هل تستمر العلاقات الغير حاسمة لأنها فضفاضة تتشكل حسب الحاجة ومريحة لا التزام ظاهر فيها؟ مالذي كانت تريده غادة من غالب رغم أن لا شيء فيه يغريها بالاستمرار ورغم أن كل شيء يبدو متوفراً في زواجها؟ هل ترضى المرأة لزوجها أي يكون لديه عشيقة ولا ترضى أن يكون له زوجة ثانية؟ 
- الأمومة..والأبوة،كانتا علاقتين شائكتين وسبباً لكثير من مشاكل البطل ونقاط ضعفه في الحياة، صور الكاتب هذه العلاقة ببراعة ، هل يمكن أن تكون علاقة مشابهة في مجتمعنا رغم الترابط المجتمعي الظاهر بين أفراد الأسرة؟

انتهى اللقاء ولم ينتهي النقاش بين العضوات،،استكملناه فيما تبقى من الليل على جروب تواقة في الواتس أب:-)

روايتنا المقبلة:
بعد الرواية السعودية سنقرأ رواية خليجية:
كبرت ونسيت أن أنسى
للكاتبة الكويتية بثينة العيسى


افتحوا الأبواب واقضواً وقتاً ممتعاً في القراءة...حتى نلتقي..